19 أكتوبر, 2025
لماذا أصبحت البيانات أثمن من النفط؟
نظرة عميقة في اقتصاد البيانات العالمي
في عالم اليوم، لم تعد الثروات تُقاس بالذهب أو النفط، بل بما نعرفه عن الناس.
البيانات — تلك الأرقام والمعلومات التي تبدو عادية — أصبحت وقود الاقتصاد الرقمي ومحرك القوة الحقيقية للشركات والحكومات.
قد لا تشعر بها وأنت تتصفح الإنترنت أو تشتري عبر تطبيق، لكنك في الواقع تُنتج “ثروة رقمية” كل ثانية، بدون أن تدري.
من النفط إلى البيانات: تحوّل موازين القوة
في القرن العشرين، من يملك النفط كان يملك القوة. أمّا في القرن الحادي والعشرين، فالقوة أصبحت في يد من يملك البيانات.
الشركات الكبرى مثل Google، Amazon، وMeta لم تصبح عملاقة لأنها تبيع منتجات مادية، بل لأنها تعرف كيف تفهم وتستغل سلوك مليارات المستخدمين.
البيانات تمنحها القدرة على التنبؤ، التخصيص، والتأثير — وهي الثلاثية الذهبية للاقتصاد الرقمي.
والفرق بين النفط والبيانات أن النفط مورد ينفد بالاستخدام، بينما البيانات تزداد قيمة كلما استُخدمت.
فكل عملية تحليل تضيف طبقة جديدة من الفهم تساعد على اتخاذ قرارات أدق وأذكى.
كيف تُحوَّل البيانات إلى مال فعلي؟
اقتصاد البيانات يقوم على فكرة أن كل معلومة يمكن أن تتحول إلى قيمة مالية.
عندما يعرف متجر إلكتروني أنك تفضل اللون الأسود أو تبحث عن حذاء رياضي، فإنه يستطيع توجيه الإعلانات والمنتجات خصيصًا لك، ما يزيد مبيعاته بشكل كبير.
حتى الحكومات دخلت السباق: الدول التي تدير بياناتها بذكاء تتخذ قرارات أسرع وأكثر دقة، مما يعزز جودة الحياة ويخلق نماذج تنمية مستدامة.
الجزائر نحو اقتصاد قائم على البيانات
في الجزائر، بدأت ملامح “اقتصاد البيانات” تظهر بوضوح.
مشاريع التحول الرقمي الحكومية مثل بوابات الخدمات الإلكترونية ومنصات الدفع الرقمي تجمع يوميًا كمًّا ضخمًا من المعلومات حول النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
كما تعمل جهات مثل الوكالة الوطنية للأمن السيبراني ووزارة الرقمنة والإحصائيات على تنظيم البيانات وضمان أمنها، مما يفتح الباب أمام استخدامات مبتكرة في مجالات مثل:
الصحة الرقمية (تحليل بيانات المرضى لتطوير الرعاية)
النقل الذكي (إدارة المرور في المدن الكبرى)
الزراعة الدقيقة (استخدام البيانات لمراقبة الإنتاج وتحسين المحاصيل)
بهذه الطريقة، يمكن للجزائر أن تنتقل تدريجيًا من اقتصاد يعتمد على الطاقة الأحفورية إلى اقتصاد قائم على المعرفة والمعلومة.
المستقبل: من يملك البيانات يملك القرار
في عالم متصل بالكامل، لا يمكن لأي شركة أو دولة أن تنافس دون فهم بياناتها.
المستقبل لن يُحسم في آبار النفط، بل في مراكز البيانات العملاقة حيث تُخزَّن وتُحلَّل المعلومات بسرعة الضوء.
حتى الذكاء الاصطناعي — مهما تطور — لا يمكنه العمل دون غذائه الأساسي: البيانات.
البيانات هي ذهب العصر الرقمي، لكنها ليست مجرد أرقام — إنها لغة السلوك الإنساني.
من ينجح في قراءتها وتحليلها سيقود الأسواق، ويصنع القرارات، ويحدد ملامح المستقبل.
قد تنفد الموارد الطبيعية، لكن تدفق المعلومات لن يتوقف، ما دام الإنسان متصلاً بالعالم الرقمي.